آخر تحديث :الجمعة-18 أبريل 2025-01:30م
ثقافة وفن


رحلة مع الشاعر الكبير صالح نصيب رحمه الله

رحلة مع الشاعر الكبير صالح نصيب رحمه الله
السبت - 16 نوفمبر 2024 - 03:29 ص بتوقيت عدن
- أبين تايم/ خاص

كتب/غلام علي


صالح نصيب.. هو أحد جهابذة الشعر الغنائي في لحجنا المحروسة .. ويتفرد كثيراً عن زملائه بغزارة الكلمة الطربية المنغمة ،ذات الصور الجمالية وما تحمله من مدلولات لفظية حسية ناطقة ومشاعر جياشة مترعة ومشبعة بالمحسنات البديعيه، عميقة الدلالة والمعنى، ومنها مثلاً عند تصويره وتشبيهه البليغ في قوله : ان جمال ريم الغزال وعينيه العسليتين ماخوذتان من جمال و رقة حبيبة القلب : انت من جيدك صنع جيد الغزال

انت من لحنك اهازيج الهزار

والمها عيناه من بعض عينيك

ولك أن تتخيل ذلك المشهد وما وراء المشهد من دلالات وايماءات وبعد فلسفي وعمق ومعنى .. وعلى ذلك بتقديري و برأيي المتواضع كان قمة في الوفاء والإخلاص للمحبوب ومحقٱ جدٱ في عدم الموافقة عند المقايضه أو التنازل عن الحبيب مهما بلغ به الأمر ولو كلفه ذلك بدفع حياته ثمناً للوفاء والإخلاص وذلك عند قوله :

لو يطرحوا في يميني

حبيلهم والحسيني

ما بيع غالي بدون


عينين ربي كساها

ظلال تحت الهدب

ومن حنانه رواها

بشهد حالي وصب


حكاية الفانوسة والرائعة الغنائية :


أخاف

اخاف والخوف منك

اخاف منك عليك


يدور جدل واسع ويحتدم النقاش كثيراً كلما يأتي الحديث عن تلك الرائعة الغنائية وعلاقتها بالاديبة الفاتنة (الفانوسه ) ويتشعب الحوار هناك كثيراً وكل يدلي بدلوه ويتغنى على ليلاه . . وفقاً وثقافته وقناعاته الشخصية من خلال الاسهاب والتطويل والتأويل .. ونستخلص من ذلك الجدل بعد القراءة المتأنية لنخرج برايين متناقضين :


حيث يذهب أصحاب الرأي الأول لإثبات حجتهم بإعجاب الشاعر وحبه الشديد المبطن والظاهر لشخصية الشاعره بالاستدلال بما ورد بمذهب بتلك الرائعة من حب وهيام وإعجاب وذلك ما نقرأه من المشهد المثير ، بكرمه واغداقه الوافر عليها من الصفات والمزايا الجمالية والصور البلاغية الرائعة ، ( العميقة الدلالة والمعنى ) ، وجمال الوصف والتوصيف ، هناك حيث يفوق الوصف الوصف ، وتكاد تترجم بعضٱ من تلك الملامح الجمالية وتتطابق كثيراً مع جمال ومفاتن ورقي واخلاق الأديبة الفاضلة .

ويستدلون جماعة الرأي الآخر بمنطق العقل والحكمة والقول الحكيم . . مع التسليم والإقرار بما يتميز به هذا الشاعر العملاق من مزايا ورجاحة العقل والاتزان ، والقدرات الفنية والابداعية العالية وسرعة البديهة عند الرد بالقول الرصين :


بأن تلك الرائعة ( الالياذة )لم تأت بميلاد الصدفة المحضة أو من خلال تلك المقابلة الخاطفة له والمستفزة على عتبة منتداها الثقافي الاجتماعي ، وذلك عند تلبيته للدعوة الخاصة من قبلها بطلب الحضور وتشريف المنتدى ، للتعرف عليه والاستماع إلى أشعاره لاسيما وأنه قد ملأ الاصقاع والأسماع بصيته الكبير وحضوره الطاغ بروائع الكلم والأشعار ، بمعية أخيه وزميله الشاعر الغنائي محمود علي السلامي صاحب الرائعة آنذاك ( ساكت ساكت ولا كلمه صابر صابر ولا رحمه ) .


ولا أعلم ما إذا كان هنالك للفوارق الطبقية والتمايزات الاجتماعية بذلك المجتمع الراقي حينها ، دور بذلك التجاهل وعدم الاكتراث . . ( الله اعلم ) .


ولكن الشيء المؤكد بتقديري كانت تلك الحركة المبيتة من قبلها ( مقصودة) ولغرض في نفس يعقوب ، ربما لصناعة الحدث المشهود ( مع سبق الإصرار والترصد) ليقول عنها ويترجم فيها كلما تجود به قريحته الفذه.


هناك قد جرت وقائع المشهد المثير والمستفز ( اللقطة الآكشن) الذي شعلل براكين الغضب بدواخله وارتسمت بعضٱ من آثار الندم على سيماءه ، ( حسرة وتندمٱ على تلبيته للدعوة) ، حينما لم تعره انتباهها او تكترث به للوهلة الأولى .


ولكنها لم تلبث إلا ايامٱ معدوده وكانت المفاجأة إذ باغتته بالوقوف على عتبة داره وعلى حين غرة بحوطة لحج مقدمة له الاعتذار عما بدر منها في المقابلة الأولى ومخولة إياه بكافة الصلاحيات لإدارة أعمالها الفنية

ولا أقول أنه قد بات عميداً لصالونها الثقافي آنذاك ، ولكنه صار بكل تأكيد الشاعر المحبب والمقرب والاسم المدلل هناك وصار يحضى بمكانة رفيعة ومرموقه بذلك المنتدى الثقافي ( الصالون الأدبي ) الكائن ب دار سعد / الشيخ عثمان / عدن .

حيث كان يؤمه كثير من الصفوة المثقفين والسياسيين ورجال المال والأعمال .


وعلى ذلك اجد نفسي متعاطفٱ ومنحازاً بقوة مع أصحاب الرأي الثاني ، بعد أن طلبت من جميع الشعراء يقولون عنها أو يصفونها بابيات شعريه تليق بمكانتها وبمقامها العالي الأدبي والاجتماعي ، ( وكأني بها بذلك المشهد (مي زياده ) في عصرها الذهبي)


وكان من المغربات للتحفيز أن صاحب القصيدة الفائزة تنتظره مفاجئة مغرية وجائزة ثمينة ، وبناءٱ على ذلك أخذت تلك ( الرائعة النصيبية ) أياما وأيام لتكتمل وتأتي بتلك الحلة القشيبية الإبداعية المزخرفة بالصور البلاغية الرائعة و العالية الجودة .


حيث استهل العملاق نصيب تحفته الغنائيه بالخوف والتوجس من الإبحار صوب المجهول ، بالخوف أن لا تأتي الرياح بما تشتهيه سفنه المبحرة صوب المرافئ الدافئة ، ويضيع هنالك المجداف والاسطرلاب ، وتتبخر الأمنيات بعدم الوصول والرسؤ على شواطئ الأحلام ، وهي حالة نادرة لم نعشها أو نالفها في أشعاره أو طباعه وتعاملاته ، والمعروفة عنه قوة الباس والمروءة والاقدام واعتزازه وثقته بنفسه ، بكرم الأخلاق ودماثة الخلق والتواضع الجم .


استهل نصيب الرائعة بالتوجس من المحبوب وبالخوف منه والخوف عليه في آن واحد .. الخوف كل الخوف أن يركبه الشطط والكبر والغرور ، ويصيبه شيء من الجاهلية ويغدو متجبرا وآمرٱ على الخلائق بداء العظمة والكبرياء .


ثم ما لبث أن امتدحه كثيراً في الكوبلية الغنائية بعد المذهب ( مديح مغلف بالنصح والتحذير من العواقب المترتبة على التجبر والكبرياء ) وكذلك بالتودد والتوسل إليه أن يعطف ويستعطف ويرحم ضحاياه من العشاق والمحبين إللي مناهم الوصال والليالي الطوال .


بيد أنه لم يلبث هنيهات حتى بدأ بالعزف والضرب من تحت الحزام ، حيث بدأ يهجوه هجاءٱ لاذعاً مع التوبيخ والتانيب لما ستؤؤل إليه كل الخواتيم بهذه الحياة الفانية ، وتذكيره بالمصير المحتوم لكل شيء بهذا الكون أي ( الزوال والفناء من الوجود) قائلٱ له :


أنت مهما كنت مهما كان حسنك ياظلوم

لا تظن الحسن هذا طول عمرك بايدوم

شوف هذا الحسن حالي في ربيعه

إنما لابد ما يظهر قبيحه

يوم ما يبلغ خريف العمر فيك


وتجدر الإشارة إن الاديبة الفاتنة..الحائزة على لقب ( ملكة جمال العالم) في المسابقة العالمية على اللقب في عدن عام 1966 / .. صاحبة الحسب والنسب صفية محمد علي(الفانوسة) ، قامت بزيارة الشاعر نصيب والوقوف على عتبة داره في المحروسة حوطة العبادل وتقديم الاعتذار له لما بدر منها من سوء الفهم أثناء المقابلة الأولى ، و خولته بتصحيح ومراجعة أعمالها ومنها رائعتها الغنائية ( تحدى الحب يا ويله) الحان سعودي احمد صالح وغناء كروان لحج الراحل الكبير ( عبدالكريم توفيق) كما تجدر الإشارة أن الفنان القدير مهدي درويش تحصل على راديو ترانسستر كهدية منها عند أداءه لتلك الرائعه لاول مره في إحدى الفعاليات الفنية .


الشاعر الكبير صالح نصيب وكما أسلفنا يتفرد في بناء القصيدة ( نهجاً واسلوبٱ ومفردات ) .. ومن ذلك الاسهاب في الصور البلاغية الرائعه التي لم يسبقه به أحد ، لا في العصر الأموي ولا العباسي ومن قوله :

أنت من جيدك صنع جيد الغزال

أنت من لحنك أهازيج الهزار

والمها عيناه من بعض عينيك

يا سلام يا سلام يا للجمال والروعة

يا للتشبيهات البليغة.. يا لجمال الوصف


ومع كل ذلك الألق والإبداع ، يوجد هناك برأي الشخصي المتواضع م أخذ يتيم بتلك الرائعه ووقوعه في المحظور من حيث لا يعلم ( وسبحان الذي لا يسهى) :

اخاف منك عليك

وتحسب إنك مليك

وتحسب أن الكل لا شيئٱ لديك

والمها عيناه من بعض عينيك

أرحم قلوباً ذوبتها ( مقلتيك)


حط داش وخط طويل تحت كلمة ( مقلتيك)

والأصل أن تأتي الكلمة في اللغة وفقاً لموقعها من الجمله

وعلى ذلك كان لزاماً على الشاعر القول :

أرحم قلوباً ذوبتها مقلتاك ، أي بمعنى فاعل مرفوع بالالف لأنه مثنى

أو أن يقول : أرحم قلوباً ذوبت من مقلتيك

ذوبت : فعل ماض مبني للمجهول

مع تأكيدي أنه لا يوجد بهذه الصيغة اي خلل أو خروج من الوزن والقافيه .


أما التعصب والإصرار على الخطأ وبتلك الشاكله تحت تبرير إنها جاءت وفقاً وما اقتضته الضرورة الشعرية والقافية والوزن وغيرها من لوازم الشعر!!!؟

ف كيف سيكون السبيل في إقناع أصحاب اللغة وجماعة سيبويه وكذلك خليل احمد الفراهيدي وجماعته ؟


وتجدر الإشارة أن الشاعر نصيب قد أجاب على نفسه حينها برائعة أخرى رداً على ( اخاف والخوف منك ) حيث ما برحت وما انفكت مشاعر القلق والارتياب والتردد مسيطرة عليه ومكبلة إياه من كل زاوية قائلٱ :

أخاف أحبك وتقسى

وإلا يصيبك غرور


* صالح سعيد نصيب من مواليد عام 1936 م / الحوطه محافظة لحج

* توفى في 22 سبتمبر عام 1995

* متزوج وله ثلاثة من الأبناء

* صدر له ديوان شعري بعنوان

( الحب مش عيب ) تقديم الأستاذ فضل عوزر ، إصدار مذسسة 14 اكتوبر

* لحن له الموسيقار فضل محمد اللحجي العديد من الروائع الغنائية وتأتي في مقدمتها

اخاف والخوف منك عليك ، ياللي تركت الدمع ، يا قلبي الجريح ، يا نجمة الفجر

يا قلبي المعذب


* ولحن له الفنان الدكتور محمد محسن عطروش رائعة ( عرفت الناس إلا أنته ) غناء بلبل بناء الفنان القدير عوض احمد


* وكانت أكثر الروائع الطربية من نصيب سلطان الطرب وأسطورة الابداع ( الخالد ذكرٱ ) فيصل علوي ، تلحينٱ وعزفٱ وغناء .


الهرم العملاق (نصيب ) له نصيب وافر من الأنفاس الشعرية الجميلة وهي تحاكي الروائع الكلثومية الخالدة والأيام الخوالي، ويظهر ذلك جلياً من خلال الروائع النصيبية ومنها: عرفت الناس إلا أنته ، أنا بلا ناس، قضيت العمر ، طريقي شوك ، يا إللي تركت الدمع ، مش معقول ينساني ، با تذكروني وغيرها من الروائع .

وعلى ذلك النسق والنفس الشعري ، جاءت محاكاته للأمير عبدالله الفيصل ( تعملقا واسترسالا وابحارا) في الرائعة ( ثورة الشك) بعد أن بلغ بهما الشك والغيرة والحيرة مبلغاً وعلى بساط المحبة واللوعة والهيام وكل منهما لا يرى ولا يسمع إلا ما يرى قلباهما فقط وتصديقا للأثر الماثور ( ومن الحب ما قتل).

وعلى ذلك وبالمعنى الفصيح والدارج لا يمكننا القول بأنهم ( مدعوسين حتى النخاع و التخته) فهناك من الملوك والرؤساء والاباطرة والجبابرة يخضعون ويذعنون لسطوة

( الحب) وسلطانه ، وبكل إذلال ومهانة ، ويتحول عندها القبيلي الأصلي إلى قبيلي تايوان .

هنا فقط حيث لا يعلو صوت فوق سلطتهن ، ( حكم القوي على الضعيف ) لأنهن رحمة لنا.


يكذب فيك كل الناس قلبي

وتسمع فيك كل الناس أذني

وكم طافت عليّ ظلال شك

اقضت مضجعي واستعبدتني

على أني اغالط فيك سمعي

وتبصر فيك غير الشك عيني

وما أنا بالمصدق فيك قولا

ولكني شقيت بحسن ظني


نصيب:


أنا ذا فيه ما صدق

عيوني مهما تخبرني

ولا واشي ومتملق

ولا سمعي ولا ظني

فهمتوا ياعباد الله

مش معقول يأهل الله


وكذلك عند محاكاته لشاعر الشباب العملاق احمد رامي ومناجاته للحبيب في كثير من الكوبليهات الكلثومية الخالدة :

قربك نعيم الروح والعين

ونظرتك سحر والهام

و بسمتك فرحة قلبين

عايشين على الأمل البسام


تغيب عني وليلي يطول

وفكري في هواك مشغول

اقول امتى أنا وأنت

حنتقابل مع الأيام


ولما القاك قريب مني

اقول البعد تاه عني

اشوف عينيك تراعيني

وقلبي من لقاك فرحان


اخاف في البعد توحشني

وأخاف في القرب تتركني


صعبان علي جفاك بعد إللي شفته في حبك

مش قادر أنسى رضاك ايام ودادك وقربك

لكن أعمل ايه وأنا قلبي لسه صعبان عليه


نصيب:


سل عيونك سهمها ليه انطلق

من جفونك ورماني في الحدق

كاد يطفئ نور عيني

بات سهر لي شجوني

وحلى نومي نهبته

بقسوتك وانت جنبي كنت تسعدني

ورقتك في بعادك كنت تشغلني

تباني انسى بلا نسيان

تباني اسلى وانا هيمان

أنا في ذمتك أنته.


ضحايا الحب من مثلي كثير

كلهم ياناس لاقوا ذا المصير

ضيعوا الأعمار في حب الجمال

وبنوا الٱمال في نيل الوصال

مثل أمري أمرهم أصبح عسير


انا بحري بلا أمواج

واجوائي بلا فجاج

أنا مأوى بلا مسراج

وجدول ماءه اجاج

ولكن انت. انت بس

انت القوت والملبس

لقلبي انت. وجدانه


* فانوسة: اديبة وشاعرة ومغنية، وواحدة من المبدعات المثققات بلحج، اسسست منتدى ثقافيا وفنيا بعدن في الستينيات، كان من رواده نخبة من الادباء والشعراء والمثقفين ورجال الاعلام ورجال السياسة من عدن ولحج وابين .


كتب / الباحث والناقد الفني

المايسترو : غلام علي / عدن

.