كتب/محمد ناصر العولقي
من المناضلين المجهولين في مدينة جعار المرحوم علي ناصر اليزيدي كان من وجاهات جعار وشخصية محترمة وذا هيبة ويملك بغلا أو بغلة بيضاء يذهب بها الى أرضه الزراعية حتى أيامه الأخيرة.
حكى لي صديقي العزيز وأخي الكبير محمد صالح ضيف رواية انضمام الحاج علي ناصر اليزيدي الى الجبهة القومية وقال :
كان الرئيس سالم ربيع علي في منتصف الستينيات موظفا في سكرتارية سلطنة يافع بني قاصد في جعار وضمن سكرتارية مكتب نائب السلطنة الشيخ حيدرة منصور عطوي ولديه علاقة جيدة بالنائب حيدرة منصور وفي ذلك الوقت كان سالمين المسؤول عن الجبهة القومية في أبين وطبعا كان نشاطه سريا، وكان الحاج علي ناصر اليزيدي مفتشا زراعيا في لجنة أبين الزراعية قطاع الري وكان مفتشو اللجنة يستعملون الجمال في نزولهم وتنقلاتهم في أراضي منطقة الدلتا من مكان الى مكان ، ومع بداية العمل الفدائي للجبهة القومية كانت الحاجة ماسة لنقل السلاح والذخائر للفدائيين من منطقة الى أخرى .
ذات يوم جاء الحاج علي ناصر الى النائب حيدرة منصور وقدم إليه طلبا بسلفة مالية على حساب راتبه وامتنع النائب عن تلبية طلبه وكان سالمين يراقب المشهد وعندما خرج الحاج علي من السكرتارية لحق به سالمين وطلب منه أن يعطيه ورقة الطلب وإنه سيحاول مع النائب حيدرة منصور ليوافق على منحة السلفة فأعطاه الحاج علي الورقة وعاد سالمين الى النائب واستطاع بطريقته أن يقنعه بالموافقة على طلب الحاج علي .
وفي اليوم التالي ذهب سالمين الى الحاج علي ناصر وأعطاه ورقة الطلب مذيلة بتوجيهات النائب بصرف مبلغ السلفة وتابعها سالمين بحكم عمله في الإدارة المالية للسلطنة وتم صرف السلفة للحاج علي في وقت قصير .
شعر الحاج علي ناصر بامتنان كبير لسالمين وطبعا كان سالمين مركزا عليه لاستقطابه الى تنظيم الجبهة القومية والاستفادة من الجمل الذي يستعمله الحاج علي وتسريب الأسلحة والذخائر عبره بسهولة وأمان وهكذا بدأ سالمين في إقامة صداقة شخصية مع الحاج علي ناصر ثم بدأ يفاتحه شيئا فشيئا بالانضمام الى تنظيم الجبهة القومية حتى استطاع إقناعه وتأطيره في التنظيم ثم تولى الحاج علي عملية نقل الأسلحة والذخائر على ظهر جمل لجنة أبين الى الفدائيين من مكان الى آخر في المنطقة دون أن يشعر به أحد .
وفي يوم من الأيام وبينما كان الحاج علي في تنقلاته اليومية على ظهر جمل اللجنة وكان يخفي مجموعة أسلحة وذخائر لتسليمها الى فدائيين حدث ما لم يكن في الحسبان إذ شعر مدير الأمن الاتحادي في السلطنة المرحوم بن عديل أن هناك تسريبا للأسلحة في المنطقة وبدأ يشك في الكل فأعد مدير الأمن كمينا وأستحدث نقطة للتفتيش في طريق زراعي في ضواحي جعار وكان الحاج علي يسير في هذا الطريق وإذا به وجها لوجه مع الكمين الأمني .
قال الحاج علي ناصر : أوقفتني النقطة الأمنية وطلب مني بن عديل النزول من على ظهر الجمل وأمر الجنود بتفتيش الخرجين الذين فوق ظهر الجمل فيبس حلقي وأيقنت إني رحت في داهية ولكن جاء الفرج من عند الله حيث كان من ضمن الذين مع بن عديل الضابط المرحوم فضل سالم ميسري ( والد أ. د محمد فضل سالم ميسري عميد كلية التربية بجامعة أبين حاليا ) ويبدو أنه كان يعرف إنني في ورطة وكان من المتعاطفين مع المناضلين ويتعامل معهم برأفة ورحمة ووطنية فتدخل المرحوم فضل سالم وأخذ يتحدث مع بن عديل ويبعد الشكوك عني حتى أقنعه وسمح لي بن عديل بالمرور دون تفتيش فنجوت من الموقف بأعجوبة !!!
ويروي الحاج علي أنه بعد هذا الموقف لم يقابل سالمين الذي هرب الى تعز بسبب انكشاف أمره ثم بعد الاستقلال وخطوة 22 يونيو وصعود سالمين الى سدة الرئاسة أقيم حفل في جعار وحضره سالمين وكان الحاج علي ناصر يجلس على مقعد قبال منصة الحفل فرآه سالمين ولوّح له بيده وهو يبتسم فشعر بفرحة كبيرة أن رئيس الجمهورية يلوح له بيده وإنه مايزال يتذكره ومن كثر الفرحة تقاطرت الدموع على خده .
لا أدري الآن هل تسلم أسرة المرحوم المناضل الحاج علي ناصر اليزيدي راتبا من دائرة شهداء ومناضلي حرب التحرير أم لا ؟ ولكني معجب ببساطة وصدق هذا المناضل واعتباره أن تلويحه من الرئيس تكفي لتقدير ما كان يقوم به ولمكافأته عن نضاله ..
إنهم رجال صدقوا مع الله ومع وطنهم ومع أنفسهم ويستحقون أن نضرب لهم تعظيم سلام في هذه الأيام على بعد مسافة قصيرة من ذكرى الاستقلال المجيد