الطريق الى يافع /Passage to Yafa’ 1891–1967م
منذ نهايات القرن التاسع عشر حاولت بريطانيا عبر حكومتها في عدن أن تقوم بعمليات مسح أو تصوير لسلطنتي يافع العليا و السفلى و تعود أولى المحاولات إلى ماقبل توقيع اتفاقية الحماية مع سلطان يافع السفلى عام 1895 م ثم مع سلطان يافع العليا بعدها بثمان سنوات عام 1903 م .
وكانت أولى المحاولات الفعلية من قبل كلف الكابتن R. A. Wahab عام 1902 م وهو من وحدة المسح الهندية رقي بعدها إلى رتبة كولونيل
فشلت محاولته الأولى و لكنه عاد بعد سنتين لإجراء مفاوضات ترسيم الحدود بين بريطانيا و العثمانيين فقام بالذهاب لمنطقة الشعيب التي كانت تعتبرها بريطانيا منطقة يافعية ولكنها لقيت مقاومة من قبل سلطان يافع العليا صالح بن عمر الذي عاد للمحجبة بعد مقاومة الحراسة المرافقة للبعثة في العوابل عاصمة الشعيب عبر وادي بنا .
بشكل عام فشلت المحاولتين التي قام بهما الكولونيل تحت اسم المسح الجغرافي لمحميات عدن البريطانية .
و قد نجحت تلك المحاولات عام 1925 من قبل كولونيل آخر هو ليك .. الذي يعتبر أول رجل أوروبي يزور يافع و قام بتصوير القارة بالتحديد , دون أن يخفى على أحد الأسباب العسكرية وراء ذلك كمقر لأقوى سلطنة في المحميات الغربية لعدن .. خصوصًا و أن القارة قصفت بسلاح الطيران الملكي البريطاني . وكانت الزيارة بهدف تدريب أول فرقة مشاة عسكرية في اليمن للحراسة من رجال القبائل في يافع خصوصًا بعد موافقة السلطان عيدروس بن محسن طالبًا مدفع حربي من أجل الموافقة على تلك الزيارة وهو ماتم الموافقة على ذلك فتم شحن مدفع من نوع تن باوندر على ظهور الجمال ..
طوال فترة الحكم البريطاني لجنوب الجزيرة العربية كانت مرتفعات يافع مغلقة أمام أي تواجد خارجي و قلة فقط من الزوار الأوربيين استطاعوا الدخول ليافع , و رغم وجود حالات ضعف داخلية إلا أنها تتحد أمام أي تهديد خارجي , و استطاعوا تكوين جيوش خارج نطاق يافع كما فعلوا مع السلطان القعيطي ذي الأصل اليافعي , ورغم هجرة أبناء يافع و احتكاكهم بالعالم الخارجي إلا أنه هذا لم يقلل من نفورهم إزاء أي تدخل في شؤونها الداخلية .
لكن على الورق كان هذا معكوسًا حيث كانت يافع جزءًا من المحميات البريطانية في عدن , حيث وقعت اتفاقية الحماية مع سلطنة يافع السفلى عام 1895 م و مع سلطنة يافع العليا عام 1903 م . وكانت تدفع إعانات لبعض المشائخ المحليين في يافع العليا و هذا اعتراف ضمني بأن سيطرة سلطان يافع العليا كانت اسمية فقط .
وبسبب هذه المعونات فإن القوة الفعلية ليافع تقسمت بين القبائل أكثر من كونها بين سلطانين , و وحده سلطان يافع السفلى بن عفيف كان يتمتع بنفوذ قبلي و عشائري في يافع والذي يقول بأنه من نسل ملوك اليمن ماقبل الإسلام و أنه تجسيد فعلي لتراث يافع القبلي القديم .
هذه التقاليد أعطت السطان قدرة أكبر على القيام بدوره لحل النزاعات القبلية و إصدار الأحكام بصورة حكيمة و سط القبائل صعبة المراس و القيام بأداء واجب الضيافة , و كان دخله يأتي من الأعشار العرفية كما مكنته الأراضي الزراعية الواسعة التي تملكها عائلته من الحفاظ على سلطته .
تقع يافع السفلى فوق مرتفاعت أبين الشمالية و نحو عشرين ميلا على ساحل البحر بمحاذاة وادي حسان من الجنوب و وادي بنا من الغرب , و تمتد شمالا حيث يافع العليا على نحو 8000 قدم , و كانت هناك عاصمتان ليافع السفلى الأولى في الحصن في السهول المنخفضة و الأخرى في القارة شمالا .
بين عامي 1891/92 م كلف الكابتن R. A. Wahab من الهند لعمل مسح جغرافي على المناطق المحيطة في عدن بما يصل لدائرة قطرها سبعين ميلا , لكن تقرير Wahab لم يشمل سوى الأراضي السهلية المنخفضة و قد ذكر المنتدب البريطاني John Jopp في عدن في تقريره لبومباي ( أن سوء فهم حصل بين السلطان الجديد و بين وحدة المسح ) .
و ربما يكون سوء الفهم هذا بسبب المطالب المادية من قبل اليافعيين للسماح بوحدة المسح عبور أراضيها . و بعد سنوات قليلة تعثرت زيارة كل Theodore and Mabel Bent لمنطقة القارة بسبب المطالبات المادية ( كما رأى مابل بنت ) للسماح لهم بذلك .
في عام 1902 م عاد Wahab مرة أخرى لرئاسة الجانب البريطاني في عدن من أجل ترسيم الحدود بين مع الجانب العثماني لعدن ومحمياتها , و خاب أمله مرة أخرى في زيارة يافع , لكنه في عام 1904 م نجح في إرسال وحدة مسح بمرافقة وحدة عسكرية إلى منطقة الشعيب التي كان البريطانيون يضمونها ليافع العليا .
وحين نزل فريق المسح منطقة العوابل عاصمة الشعيب هوجمت من قبل سلطان يافع العليا صالح بن عمر الذي أطاح بشقيقه قحطان بن عمر مؤخرًا , و قيل أنها كانت بتحريض من العثمانيين , لكن قوة الحراسة استطاعت صد الهجوم اليافعي مما اضطر السلطان صالح إلى التراجع شرقًا عبر وادي بنا و العودة لمقر حكمه في المحجبة .
كانت أول زيارة ليافع بشكل عام من قبل الليفتنانت كولونيل ليك (M. C. Lake ) في نوفمبر عام 1925 م لتدريب قوة حراسة محلية وهي أول قوة مشاة في اليمن . وقد انتهز ليك الفرصة و قام بزيارة بعض المناطق الداخلية في يافع , و كان السبب الحقيقي لهذه المساعدة على تشكيل قوة الحراسة المحلية هو الأنباء التي وصلت بتقدم قوات الإمام في المحميات الغربية إلى الشرق من يافع في الضالع و الشعيب و على هضبة العوذلي , وذلك بمنع قوات الإمام من التقدم جنوبًا , و ماحدث يعتبر غير اعتيادي لمراسلات بين الحكومة البريطانية و قادات يافع .
و لضرورة إجراء تحليق آمن فوق يافع ينبغي أن يتم القيام بتأمين موقع الهبوط و اختياره , و قد وافقوا في يافع على هذه الشروط , في صورة نادرة للإنسجام بين القبائل اليافعية و الأجانب .
وقد طلب السلطان عيدروس بن محسن و هو شاب في العشرينيات من عمره و قد تولى حكم السلطنة بعد وفاة والده ( السلطان محسن بن علي ) بتوريد مدفع للقارة ,
وقد وافق المندوب البريطاني على إرسال مدفع من نوع (ten-pounde ) , و قد نقلت إلى يافع على ظهور الجمال عد تفكيكها إلى أجزاء .
رافق ليك في الرحلة كلًا من ووكر الموظف المساعد و محمد سالم وهو المترجم الخاص به و قد كانوا يتمتعون بصفات المساعد السياسيين لليك , و قد بدأت الرحلة من الحصن في مناطق يافع السهلية برفقة السلطان علي بن عبدالله مع مرافقيه من الحراس القبليين , و قد أخذ ليك معه مبلغ و قدره عشرة آلاف روبية في صناديق من الصلب و المبلغ من أجل توزيعه على زعماء القبائل المحليين و لمتغطية مصاريف الرحلة و الإقامة و مصاريف الجمَالين الذي رافقوه في الرحلة لنقل المدفع , و بعد عشرة أيام وصل ليك و مرافقيه إلى القارة .
و قد وصف ليك القارة قائلا :
( ترتفع القارة على تلة ترتفع بشكل مستقيم فوق الوديان المحيظة بها على إرتفاع 800 قدم و يصلها بالأسفل طريق صخري متعرج المسار , و يفصح المنظر من الأعلى عن صورة بانورامية رائعة , فإلى الجنوب يبدو
وادي إمهدار( Wadi Am Hadara ) إلى جبل موفجة , كما يبدو في الأفق البعيد جبل شمسان وميناء عدن في يوم صافٍ , و إلى الغرب من بعيد تبدو جبال ردفان و أبعد منها يبدو جبل الضبيات , و في الشمال الغربي و الغرب ترتفع جبال المفلحي الوعرة و إلى الشمال يقع جبل اليزيدي و ماورائه يتبع يافع العليا , و إلى الشرق و الشمال يقع جبل العر .
و لم يزر المنطقة أي أوروبي من قبل , و هي تنتصب في الشرق مثل سنام البعير ,وفي الشمال الشرقي تنتهي حدود الجبال بشكل حاد حتى تصل إلى سهول دثينة , و إلى الشرق و الجنوب الشرقي نشاهد المزيد من المنحدرات حتى نصل لجبل الشعب في وادي سرار , و في كل الجبال نشاهد التلال و الوديان و المدرجات الزراعية , و تيزرع في الوديان الخضراء الدخن و البن و القمح و الشعير , وهي من وجهة نظري لا تنسى بسهولة بسبب عظمتها و هي الأروع في كل البلاد العربية . و خصوصًا في الصباح الباكر مع إنعكاسات الرائعة بين الضوء و الظل ) .
خلال إقامته لأسبوعين ونصف تمكن ليك من تنظيم و تدريب أفراد الحراسة القبلية على استخدام المدفع و إعادة تجميعه , و ذكر أنه كتب للمقيم البريطاني في عدن برنادر رايلي ( هو Sir Bernard Rawdon Reilly ) : المدفع كان مليئا بالغبار من خلال الرحلة و أنه اختلط مع الزيت و الشحم داخل المدفع و أنه كان غير قابل للعمل , و أن عيدرس ( هكذا في رسالة ليك ) طلب منه إطلاق قذيفة فور تركيبه و أنه طلب هدية 400 قذيفة )
كان ليك يرافق السلطان الشاب في كل زياراته و جولاته , حتى تلك التي قام بها السلطان إلى حنكة آل مرشد على الحدود من يافع العليا حيث تجمع زعماء يافع هناك بعد أن وضعوا خلافاتهم جانبًا مؤقتًا للترحيب بليك , وكان الشيخ عبدالرحمن المفلحي الطاعن بالسن مثله ابنه في اللقاء .
وكان السلطان الفخري ليافع العليا صالح بن عمر آل هرهرة الذي هاجم قافلة المسح في العوابل 1904 م , قد بقي بعيدًا من ليك مظهرًا عدم مجاملته , و تشكل انطباع لدى ليك بأن سلطاته لم تكن مؤثرة خارج المحجبة .
وكان أكثر الزعماء تأثيرًا في يافع العليا هو الشيخ نقيب من الموسطة , وشملت جولة ليك كلاً من لبعوس و مسجد النور و القدمة و بني بكر و التي كانت بدورها الـ 200 أكبر قرى يافع بشكل عام . وكانت مزارع البن في وادي حطيب من أروع ماشاهد ليك في حياته و تسلق ليك جبل الشبر ( في المفلحي ) لرغبته في مشاهدة الحدود اليمنية , ورافقه في رحلة عودته ليافع السفلى شيخ الضبى من ذي صرا سالم بن صالح ومحمد علي بن عكسر أحد نقباء الموسطة الخمسة و كان والده علي عسكر الذي ذكر في كتاب ( أرض عاد ) للمؤلف Wyman Bury (عبدالله منصور ـ جورج بيري ويمان ) .
ثلاثة من نقباء الموسطة النقيب محمد علي عسكر في الوسطالزائر الأوروبي التالي للقارة كان السير ستيوارت سايمز في عام 1929 م و ذكر سايمز الذي كان المقيم البريطاني في عدن بين عامي 1928 1931 م , أن السلطان كان كريمًا في ضيافته , وذلك لأنه جلب له أخبارًا سعيدة بزيادة الراتب و الذي كان طلبه من ليك في زيارته للقارة عام 1925 م .
و أعقب زيارة سايمز زيارة أخرى قام بها بيرون ستيورات و هو ضابط سياسي في عام 1938 م و كان هدف الزيارة غير واضح , لكن المرجح أن هدف الزيارة التأكد من الولاء للحكومة البريطانية في وقت كان يتزايد فيه التوتر السياسي .
و حتى عام 1950 م لم يكن السلطان عيدروس استقبل الضيف الأوروبي القادم وهو مالكوم ميلين ( توفي عام 2006 م ) الذي كان في زيارة قصيرة في عدن بين عامي ( 1950 1951 م ) قبل استئناف مسيرته في خدمة مستعمرات غرب أفريقيا , و قد شملت زيارة ميلين السياسية لزنجبار في دلتا أبين , الأراضي المنخفضة من يافع السفلى و هي الجزء الوحيد المفتوح للبريطانيين , في الحصن و جعار تحت سيطرة السلطان عيدروس .
و أرسل ميلين للقارة لعمل تسويات ضد بعض الاعمال التي يقوم بها الناس من قبائل يافع بني قاصد و أخذ ميلين معه أموالا من فئة ماريا تريزا ( قرش فرنصة ) لتوزيعها على عن طريق السلطان عيدروس . و قد أعطت زيارة القارة لميلين إلهامًا فكتب ( لا وجود لتليفون في السماء ) عام 1999 م على ضوء رحلته للقارة سابقًا .
( تقريبًا على تلة منخفضة رأينا القارة على 1500 قدم تنتصب فوقنا بحصونها البيضاء الشامخة في السماء , و في مسار ملتوٍ و طويل اتجهنا نحو القلعة مع رجال القبائل ... و حسب التوقعات فإن ثلاثة آلاف رجل مسلح بانتظارنا , جاء السلطان بنفسه للترحيب بنا يحيط به الخدم ملوحين بالسيوف , و يسيرون ببطء على الطريق لتحيتنا , و كانوا عراة الصدر و قد دهنوا صدورهم بزيت السمسم و بالنيلة , كل قبيلة اتخذت مسارها نحو القارة وهم يطلقون الرصاص , و المدفع من فوقنا يضرب اثنتي عشرة طلقة , و في تلك الليلة فتحت السماء و سقط المطر منهمرًا و صوت الرعد يدوي ) .
كتب ميلين في زيارته للسيد توم بوثمان هيكين الحاكم البريطاني في عدن عام 1952 م , و قد كتبها السير بوثمان خيكين في مذكراته عام 1958 م :
السير بوثمان هيكين في عدن عام 1955 م
( القارة هي المكان الأكثر استثنائية في أي مكان رأيته في العالم . بنيت على سطح دائري فوق تلة مرتفعة من الحجر الجيري مخروطية الشكل . و يمكن الوصول إليها من مسارين شديدي الصعوبة حتى على ظهور الجمال و الحمير , كان على زيارة القارة ينبع في جزءٍ منها لفضول ذاتي و في جزئه الثاني ينبع من حرصي على زيادة النفوذ في محمياتنا , السلطان أناب نجله البكر , السلطان محمد عيدروس ليكون بمثابة مرافق لنا . قاد السلطان محمد موكبه فوق حصانه برفقة مجموعة من رجال القبائل , في حين تابعت على حماري , و يمكن أن نرى القارة بلونها الأبيض اللامع , و في الأعلى و على أرض منبسطة تراص الآلاف من رجال القبائل في خطوط تنتظر وصولنا يلبسون الإزارات الزرقاء من صبغة النيلة , و بشعر مموج , و ينتعلون أحذية من الجلد و حزام الذخائر على صدورهم مملوء بالذخائر و الجنابي الفضية , كان كل شئ رائعًا على غير المتوقع في هذا البلد النائي و التي تبدو قليلة السكان , سار السلطان محمد و أنا إلى الأمام لتحية السلطان عيدروس الذي كان مرتديًا معطفه الفخم الأرجواني و إزار مخطط بالأزرق و الأصفر و عمامة رأس لها نفس الألوان .
في خضم هذا المشهد , ظهر كل رجال القبائل الذين تدفقوا للقارة , و قد أطعمهم السلطان جميعهم , وهم يهتفون و يغنون حتى حل الظلام حيث تفرقوا للعودة إلى قراهم في الجبال المحيطة )
و في معرض تعليقه على زيارة ميلين و تعليق هيكين ثوم , ذكر ديفيد تيرفي الذي كان قد أرسل إلى أبين و زار بنفسه القارة بعد أسابيع لاحقة :
( أن موقف القبائل ظل عدائيًا بشكل أساسي , و قد علمت قوة المعارضة للمحادثات في زيارة مع أعضاء فريقي مع النائب السلطان محمد الذي كان مسؤولا عن سلامته , مع مرافقيه من المسلحين القبليين , وكان ظاهرًا مشاعر الإستياء من القبائل أثناء زيارتي الأخيرة مع أعضاء فريقي , حيث تعرضت للإهانة في الطريق و بين الحقول من بعض رجال القبائل المسلحين و عددهم ألف رجل في كلد وادي سرار و تجميعهم في مسكبة ضد الجيش الغازي كما يتوقعون , و قام رجال القبائل في السعدي بتقطيع أشجار البن الخاصة بالسلطان احتجاجًا على موالاته للحكومة في عدن . وهذا نابع من معارضتهم التقليدية للحكومة و رغبتهم بالإستقلال )
و أضاف تيرفي بأن زيارات البريطانيين الرسميين للقارة كان ممكنًا فقط لأن السلطان عيدروس بن محسن قد أنفق مبالغ طائلة من أجل إقناع رجال القبائل بذلك .
لم أجد سوى هذه الصورة لديفيد تيرفي مع صاحبة السمو الملكي الأميرة الكسندرا في مركز للمكفوفين عدن 8 ديسمبر ، 1961
وكانت زيارة تيرفي في يونيو 1953 م هي الأخيرة من قبل الأوروبين قبل الإستقلال في 1967 م , و قد تدهورت العلاقة بين السلطان و بين البريطانيين في السنوات الأخيرة , وذلك يرجع لسلوك السلطان المتغير , و الذي يعتقد أنه ناجم عن زواج الأقارب , و قد أدى به في نهاية المطاف للإنعزال كما فعل والده من قبل و ترك ابنه البكر , محمد , يتصرف نيابة عنه .
كان وسيمُا من غير مبالغة , و قد أعجب محاوريه البريطانيين ذكائه و تفكيره , و قد بدأ بداية واعدة في مجال الإدارة المحلية , لكنه في كان في وضع عدم الثقة من النوايا البريطانية يغذيها الشعور القومي العربي , الأمر الذي أدى للقطيعة المتزايدة , و في منتصف الخمسينيات انتقل للقارة , و توجه لليمن للحصول على الدعم و أصبح هو المحرك الأساسي للإنشقاق اليافعي , وكان وكان هذا التوجه من السلطان يعده بطلا قوميًا وفق النظر الأيدلوجية .
و بفعل هذا أصبحت لاقارة هدفًا لعدة هجمات جوية كعقاب للسلطان تهدف إلى إجباره عن التخلي عن قادة حكمه في مرتفعات يافع و الانتقال لليمن .
بالنسبة ليافع العليا كانت الرحلة الوحيدة هي تلك التي قام بها ليك في عام 1925 م من غير تخطيط , و في منتصف عام 1952 قام نايجل جروم المسؤول السياسي في الضالع بزيارة , سجل من خلال ذكرياته تفاصيل تلك الزيارة :
وصل في أحد الصباحات أحد الحراس القبليين برسالة من نائب الشعيب أن طائرة قد تحطمت في وادي في منطقة نائية قريبة من يافع العليا بين الحدود بين الشعيب و الممكلة اليمنية , و في وقت لاحق كانت هناك رسالة مماثلة من شيخ المفلحي و من أمير الضالع , و خلال يومين كانت هناك تقارير أخرى , وكانت جميعها ثابتة و متسقة .
أرسلت إشارة لعدن ثم مع تعز , ولكن جاء الرد بانه لا توجد أي طائرة بريطانية أو يمنية مفقودة .
وقد قام سلاح الجو البريطاني الملكي بعمل طلعات بحث جوية في المنطقة التي قيل أنها تحطمت بها الطائرة , و هي منطقة جبلية و واسعة بالإضافة إلى صعوبتها , و جاءت الإفادة أنها لايوجد أي شئ يثير الشبهة .
قررت الذهاب و تشكيل فرقة إنقاد عاجلة و أخذت معي حراسة قوية بما فيه الكفاية لمواجهة أي مقاومة قبلية هناك , زوجتي لورنا التي كانت معي في الضالع حينها , سجلت أنني غادرت مع 15 فرد من الحرس الحكوميين و 60 فردًا من مكافحة الألغام المضادة للأفراد من عدن بالإضافة اثنين مساعدين طبيين مع اللوازم الطبية و نقالتين , جلبناها من محمية الضالع .
كان لدي شك في استمرار الرحلة بالشاحنات من خلة إلى العوابل , و الحيوانات متوفرة في خلة , حيث قمنا باختيار حوالين ثلاثين من الجمال و الحمير لحمل الأمتعة و صناديق الذخيرة , و لم نذهب للعوابل , بل سرنا إلى الشرق من خلة , و هبطنا المنحدرات الجبلية نحو الأسفل .
وصلنا في النهاية نحو مكان ضيق شديد الإنحدار من وادي بنا , وهو ممتد من الشمال للجنوب . مشكلاً حدودًا بين يافع العليا و الشعيب , وشرعنا بالمشي عدة أميال شمالا . وكنا نسمع بعض الأحيان صوت الطائرات في بحثها , وادي بنا ينحني بشكل حاد إلى الغرب . و في هذه النقطة بالتحديد يصب وادي ( sih ) الذي يأتي من الشمال للجنوب و يصب في وادي بنا . وتحولنا يسارًا و سرنا بمحاذاة وادي ( sih ) على الضفة الغربية منه و في يسارنا توجد الحدود مع الدولة اليمنية التي لم تتشكل بعد ومع يافع العليا على اليمين . نحن الآن نسير داخل حدود مكتب الموسطة أرض النقباء الخمسة .
كان وادي ( sih ) مثل وادي بنا ضيق و ملتوي مع منحدرات عالية على جانبية و تيار دائم من الماء , و الكثير من الشجيرات و الأعشاب , و لكن بعد أميال قليلة من الوادي توقفنا بسبب الصخور التي هوت و سدت الطريق بما يقرب من عشرة إلى خمسة عشر قدمًا ارتفاعًا .
قيل لي بأن كان ممر يتجنب هذه العرقلة عبر التلال في حدود المملكة اليمنية إلى الغرب , عدنا إلى الوادي حيث يقع نفوذ الإمام , بعثت رسولا لشيخ القبيلة اليمنية للحصول على إذن المرور , وكان منزله يقع للغرب للك لم نتلقَ ردًا حتى صباح اليوم التالي , قمنا بضرب خيامنا و كان المكان لطيفًا مع الكثير من المياه الجارية و العلف للحيوانات و الكثير من البعوض مع حلول الظلام , وكان المكان يبدو خاليًا من السكان .
أجاب الشيخ في اليوم التالي بأنه يود مساعدتنا و لكنه هناك صعوبات و بأنه بحاجة لأن يأتي و يتحدث معنا أولا , و هو لا يريد أن يراه أحد في معسكرنا أو معنا . و أن الإجتماع سيكون بعد حلول الظلام , وسوف يرسل أحد رجاله ليرافقنا لمكان الاجتماع .
قال الشيخ الذي كان معه ثلاثة أو أربعة من المسلحين بأنه سيكون سعيدًا لمساعدتنا لكنه تلقى رسالة من تعز يحذره فيها الإمام من إرسال فريق بحث في المنطقة , وهذا أمر الإمام و لا ينبغي تحت اي ظرف من الظروف أن يسمح لأي ظابط أو قوة عسكرية بالمرور عبر الأراضي اليمنية , فهو لا يجرؤ على مخالفة هذا الأمر , فهو يقطع الرؤوس لأتفه عصيان .
يمكنني احترام مشاعره , و قد تحدثنا لبعض الوقت حيث وافق الشيخ في النهاية على أن أرسل أربعة من الحرس الحكومي يرتدون ملابس مدنية للبحث في الجزء العلوي من وادي ( sih ) عن أي دلائل تشير للطائرة المحطمة .
غادر الحراس في فجر اليوم التالي و عادوا في المساء دون أي وجود لعلامات أو أدلة ي المنطقة المحلية .
مع مرور الوقت كنا راضين بأن القصة كلها كانت شائعة لا اساس لها . و في صباح اليوم التالي بدأنا في وقت مبكر رحلة العودة للضالع .
استمرت الرحلة حوالي الأسبوع , وكانت بالنسبة لي مغامرة مثيرة , و على الأقل يمكن ان أدعي أني الضابط البريطاني الوحيد منذ رحلة ليك عام 1925 م ليافع العليا , قد دخلت لمنطقة الموسطة .
قافلة العقيد ليك عبور وادي بنا
المصادر :
/الدكتور وهيب عبدالله سعد
/موسوعة جعار ثقافية واجتماعية وزراعية وتعليمية ورياضية
ارشيفهم_وتاريخنا