آخر تحديث :الجمعة-18 أبريل 2025-01:30م
ثقافة وفن


الشاعر سالم علي المحبوش لمحة عن حياته وأشعاره

الشاعر سالم علي المحبوش
لمحة عن حياته وأشعاره
الجمعة - 21 فبراير 2025 - 02:27 ص بتوقيت عدن
-

كتب/د.علي صالح الخلاقي


●"سالم علي قال"

هذه الاستهلالة مألوفة ولها وقع خاص ومؤثر في نفوس الكثيرين ممن يحفظون أو يرددون أبيات شعرية شهيرة مكملة لها, كالمبتدأ والخبر, تنتشر على نطاق واسع في مناطق يافع ومحيطها المجاور.

●"سالم علي قال"

إيقاع موسيقي رائع ولحن جميل يشنف الأذن ويثير الانتباه لسماع حكمة أو موعظة يلخصها بكثافة بيت شعري غنائي بمفرده أصبح بمرور الوقت جزءاً من الموروث الشعبي اليافعي الذي يحفظه الناس ويستشهدون به ويتناقلونه من جيل لجيل. كقوله الشهير:

سالم علي قال بنقش شوكتي بيدي

لا حد نقشها وصل عاللَّحْمَهْ الحيَّه

●"سالم علي قال"

عنوان شهير يفصح عن شُهرة صاحبه الذي يسطع اسمه وتتألق أشعاره اللصيقة باسمه منذ قرابة قرن مضى, دون أن تُبلى أو تفقد قيمتها أو يطويها النسيان, بل تزداد تألقاً وانتشاراً بمرور الأيام وتعاقب السنين, ولا زال بعض الناس يرددونها باسم صاحبها "سالم علي" دون أن يعرفوا من هو هذا الشاعر وما كنيته وإلى أي القبائل أو المناطق اليافعية ينتمي؟! وهذا يصح بالطبع على بعض المناطق فقط خارج منطقته وقبيلته (القعيطي), حيث تنتشر أشعاره شفاهة ويتناقلها الناس حتى في تلك المناطق المجاورة ليافع كجُبن والربيعتين والشُّعيب وحالمين وردفان، لتعلقهم بمضامينها ومعانيها الموحية والعميقة, وكأن صاحبها بالنسبة لأمثال هؤلاء شاعر مجهول أشبه بالحكيم الحميد ابن منصور.

وأعترف إنني منذ طفولتي المبكرة كنت أسمع هذا الاسم يتردد كثيراً بين الناس في قريتي, واستمتع كغيري بأشعاره التي تفيض بالحكمة والموعظة وتدفع إلى التأمل, حيث كان ينشدها الكبار في مناسبات مختلفة بألحان تسحرالألباب, حتى ظننت أن قائلها هو شيخ وقور يسكن المنزل المجاور لبيتنا لمجرد أن اسمه سالم علي وكان بالمناسبة يقول الشعر, ونمى لدي هذا التصور لسنوات حتى صحح لي والدي هذا الفهم الخاطئ الذي لصق بذاكرتي منذ الطفولة, وعرفني أنه ينتمي إلى منطقة القعيطي, وتحديداً في القسم الأسفل من وادي حطيب الشهير بزراعة البن اليافعي الذي تشرف عليه من علوٍ أطراف قريتي الجميلة "خلاقة". ولطالما استمتعت بمشاهدة هذا الوادي الخصيب بأشجار البن التي تزدان به مدرجاته الزراعية على ضفتي الوادي، وأذكر أن الناس كانوا يذهبون زرافات ووحدانا لمشاهدت منظر السيول المتدفقة في بعض المواسم والتي تسقي أراضي الوادي ثم يذهب ما يفيض ليلتقي بتفرعات وادي بنا الشهير الذي يروي بمياهه أراضي ساحل أبين ويصب ما فاض في البحر العربي.

واجزم أن مثل هذا الفهم الخاطئ أو اللبس لا زال شائعاً لدى كثيرين، كما لمست ذلك شخصياً, ليس فقط بالنسبة لشاعرنا سالم علي, بل ولغيره من معاصريه مثل الشاعر صالح سند, الذي صدر له مؤخراً ديوان ضم ما اشتهر من أشعاره مع لمحة عن حياته وشعره بعنوان "شاعر الحكمة صالح سند.. خير من نشد". ويأتي هذا الديوان الخاص بسالم علي ضمن جهودنا المبذولة لتدوين وتوثيق ونشر نتاج شعرائنا الشعبيين قبل أن يطويهم الإهمال والنسيان أوتنسب أشعارهم عن قصد أو غير قصد إلى غيرهم وحتى تكون هذه الأشعار متاحة للمهتمين والمعجبين بهذا اللون من الأدب الشعبي مع إضاءة جوانب من سيرة أصحابها إنصافاً لهم وانتصاراً للحقيقة دون سواها. ولا شك أن هذه الدرر النفيسة من القصائد والأشعار الشعبية اليافعية تمثل رافداً لا غنى عنه يصب في محصلته النهائية في بوتقة الأدب الشعبي اليمني بشكل عام.

فمن هو شاعرنا سالم علي؟

اسمه الكامل سالم علي عمر المحبوش القعيطي, وينتمي إلى مكتب الموسطة – يافع. ومن آل المحبوش شعراء آخرون عاصروا سالم علي أو جاؤا بعده, نذكر منهم يحيى أحمد المحبوش وسعيد يحيى المحبوش وقاسم عوض المحبوش وهذا الأخير تعلم الشعر على يد عمه سالم علي الذي تساجل معه وحفزه لمواصلة إبداعه الشعري حتى أصبح أحد فحول الشعر الشعبي اليافعي.

الميلاد والنشأة

ولد الشاعر سالم علي على وجه التقريب عام 1837م في مسقط رأسه قرية"حُربُوب" وقضى طفولته المبكرة في أحضان هذه القرية الوادعة والجميلة التي تتموضع في بطن جبال نائفه تحيط بها من ثلاث هي جهات هي (جبل تي رَدْهان من الشمال وجبل نَوَى"العار" من الشرق وجبل القويم"يَرِيْ"من الجنوب) وكأنما تقف هذه الجبال حارساً عليها وراعياً لها فيما تنعم هي بالهدوء والسكينة, وتنساب مياه هذه الجبال لتمر على يمين ويسار القرية فتسقي مدرجاتها ويذهب ما يفيض منها إلى القرى السفلى, وهي حُربُوب الأسفل وحَيْق ثم سِيَل العياسى والروضة ثم حطيب حيث تتجمع بعد ذلك في وادي بنا الشهير. وتميزت هذه القرية بارتفاع وشموخ مبانيها الشبيهة بالقلاع الحصينة, التي توفر لساكنيها الراحة والأمان, وتحيط بها المدرجات الزراعية والأشجار المختلفة التي ينتفع بها الناس. وفي هذه الطبيعة الآسرة عاش الطفل سالم علي ولعب ألعابه الطفولية وعشق الطبيعة وتعلق بها وتنقل في ربوع القرية ومحيطها وشرب من ينابيع مياهها العذبة واستنشق الهواءه النقي المشبع بأريج الرياحين والشقر وأزهار الأشجار العبقة وتعلم ألف باء الحياة.

بينما كان سالم علي في ريعان شبابه وبداية شاعريته, وقبل أن يتم العام العشرين من عمره, داهمه مرض الرَّمد, الذي ظل في صراع معه حتى استفحل وأدَّى به إلى فقدان نظره, وهكذا فبسبب سوء الأحوال الصحية وانعدام أي شكل للعلاج، عدا العلاج البدائي, أصيب شاعرنا سالم علي بالعمى في عز شبابه وقد كان حينها يتأهب للزواج من فتاة أحلامه التي كان قد خطبها, وبسبب مرضه وفقد نظره لم يرتبط بها وعزف عن الزواج طوال حياته. ورغم فقده نعمة البصر, فقد عوَّضه الله عن ذلك بنعمة البصيرة النافذة وحباه بموهبة شعرية متقدة جعلت منه واحداً من أشهر شعراء يافع.

عصره وشعره

الشاعر -أي شاعر- ابن بيئته يتأثر ويؤثر بها، ولم يكن سالم علي ليغرد خارج السرب، بل عاش في صميم واقعه وكان لسان حال قومه، فقد عاش الشاعر أوضاعاً كان الزمن فيها متثاقلاً بإيقاع حركته ورتيباً في تطوره ليس فقط في يافع بل وعلى مستوى اليمن عموماً, فكأنما تجمدت الحياة عند مستوى معين من العزلة والركود والصراع القبلي. وكان شاعرنا ابن بيئته, فاستمد من الجبال شموخها وصلابتها ومن الوسط الاجتماعي الحكمة والصبر والجلادة, وكان شعره صدى لذلك الواقع المشحون بالأحداث والاضطرابات والفتن القبلية وعكس فيه تلك الأحداث وصور الحياة اليومية ودعا إلى السلم الاجتماعي والأخذ بالقيم والتقاليد النبيلة.

وقد عاش عمراً مديداً امتد به قر ابة تسعين عاماً، حيث توفي تقريباً في عام 1926م, وعاصر الشاعر الشهير صالح سند بن صالح اليزيدي الذي يكبره قليلاً وتأثر به في النزعة الوجدانية ذات الصبغة الصوفية التي طبعت أشعاره, حتى أن البعض أصبح لا يميز بين بعض قصائد هذين الشاعرين أو الأبيات الحكمية المنسوبة إليهما, ربما لتقارب أسلوبهما الشعري وانتشار وتداول قصائدهما شفاهة في مناطق كثيرة تبعد عن مسقطي رأسيهما، ومثل هذا اللبس نجده أيضاً لدى المطربين الشعبين المعاصرين حيث سمعت بعضهم يغني قصيدة شهيرة من قصائد صالح سند وينسبها خطأ لسالم علي, وهي التي يقول فيها:

يقول الفتى صالح سند خير من نشد

ولو قال شرّف ما يقوله ونَوْمَسَهْ[1]

طرحت اعشره قيفان تي الباني الأكد[2]

ولا يبني الاّ بالحجار المجَانَسَهْ

هذا, مع أن بقية الفنانين ينسبونها للشاعر صالح سند. وأذكر إنني حين نشرت ديوان صالح سند وفيه هذه القصيدة – مثار اللبس - رأيت علامة عدم الرضا بادية على وجه نجل الشاعر قاسم عوض المحبوش محمد الذي يرى أن هذه القصيدة لجدِّه سالم علي (عم والده), وحين أوضحت له إنني لم أنسبها جزافاً لصالح سند, فرغم أنني قد حصلت عليها ضمن بقية قصائد صالح سند التي أمدني بها أحد أقربائه هو الشاعر الصديق منصر حسين السقاف, إلاَّ أنني مع ذلك قد تحريت الدقة وقرأتها قراءة أسلوبية فوجدت فيها أسلوب صالح سند ونفسه الشعري وكلماته المألوفة في بقية قصائده, فهدأت بذلك من روع الصديق محمد قاسم واستغرابه،ووعدني أن يبحث عن نص مماثل فيه اختلاف كثير يعتقد أنه لسالم علي, وحتى صدور هذا الديوان لم يجد جديد.

خلف شاعرنا ذخيرة نفيسة من عيون الشعر الشعبي الذي أبدعته قريحته, ورغم أميته وفقدانه للبصر فقد أبدع وأجاد في انتقاء الكلمات الموحية والمعبرة فجاءت قصائده مشبعة بالمعاني السامية والحكمة الصائبة والتأمل الوجداني الصوفي الذي يفيض بالأدعية والابتهالات الدينية ويتوق إلى عالم النقاء والصفاء ويحث على الفوز في الدنيا والآخرة، وهذا غاية ما يتمناه المسلم المتصوف الزاهد. ولذلك فغالبية أشعاره تخاطب الروح أكثر مما تستهدف الجسد، ورغم ثقافته البسيطة فإننا نجد في أشعاره تجليات نورانية تصقل الروح وتنير دروب الحياة، وهي تتميز بالنفس الطويل والرنين الموسيقي الذي يشنِّف الأذن، ومع كل ذلك لم يخلُ شعره من غريب اللفظ، الذي نجده لدى أمثاله من معاصريه من ذوي النزعات الوجدانية كصالح سند وقاسم عوض المحبوش وآخرين، والغريب أن تجد الناس يتداولون تلك الأبيات بمفرداتها الغريبة دون أن يفقهون معناها، وكان المعجبون بشعره يتوافدون باستمرار لزيارته والاستماع إلى ما تجود به موهبته من بديع الأقوال, كما كانت له مداعبات ومساجلات شعرية قصيرة مع غيره من الشعراء, ومن طريف قوله، كما يروي الوالد عمر عبدالله الأصبحي, أن شاعرة اسمها شيخة القطبية, يقال أنها من بني بكر, عاصرت سالم علي وكانت تزوره ضمن من يزوره في بيته الواقع في وادي حطيب (قرية المحَاقِنْ) حيث عاش جزءاً من حياته, وذات مرة وصلت فوجدته قرب بيته يستظل في ظلال شجرة، فمكثت بعض الوقت للراحة, وعلم منها أنها في طريقها إلى قرية " الروضة" ومعها مرافق يعرفه سالم علي, فارتجل بيتاً شعرياً يمازحها فيه, يقول:

جزعشْ (المهلكه) وَا لا, وا دُرشي بهن حالا

خوفي من غريم السوء, لا يكسر حجرة الساس

فطنت الشاعره الذكية والمعتدة بنفسها ما يرمي إليه الشاعر من سوء ظن, وبنفس البديهة والسرعة ارتجلت رداً تقرع به الشاعر الضرير, حيث قالت:

قاله شيخه القطبيه, وا سالم علي لعمى

ماهل قد رحم ربِّي، ما سوَّاك مثل الناس

كان غاية ما يرجوه ويتمناه سالم علي, مثله مثل أي شاعر, أن تنتشر أشعاره بين الناس في محيطه, وقد تحقق له ذلك في حياته, ثم انتشرت أكثر بعد مماته, إذ كتب لكثير من أشعاره الخلود, لأنها تنتمي إلى ما يسمى بالسهل الممتنع, فلغته هي لغة الناس من حوله, مشبعة باللهجة، لكنها سلسة اللفظ قريبة إلى الفهم, تخلو من آثار التعقيد, مع قوة في البناء وعمق في التعبير, ولا تحتاج إلى كثير عناء لفك رموزها وسبر أغوارها. بل إن من يستمع إليها يشعر بمتعة خاصة ويجدها قريبة إلى نفسه, لأنها تعبر بصدق عن عواطف ومشاعر الكثيرين.وكان الشاعر يقولها على سجيته بالفطرة ودون تكلف وينسجها على إيقاعات موسيقية مناسبة وألحان شعبية أصيلة, لأن معظمها كان يُنشد فور نظمه ويُردَّد في جلسات السمر.

لم يشذ شاعرنا سالم علي عن النمط التقليدي للقصيدة الشعبية التي تلتزم وحدة القافية والوزن وتعدد الموضوعات في القصيدة الواحدة. وشعره - كأي شاعر آخر - يتفاوت بين القوة والضعف, وله أسلوبه في عرض موضوعاته بطريقة سلسة تتوافق مع ذائقة المتلقين في محيطه, فنجد لديه الاستهلالة الدينية المألوفة التي تبدأ بالدعاء إلى الله والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وهذا الاستهلال الذي قد يصل إلى عدة أبيات لا يدل في كل الأحوال على مضمو ن القصيدة، وإن كان بعضه يؤشر أو يلمح للمضمون, وقد تأثر باحداث عصره وقضايا مجتمعه, ولامس في أشعاره هموم وشجون قومه واتخذ مواقفهم، ولا عجب أن ظهرت في شعره كراهية للترك وللأئمة الزيود, لما سببوه من ظلم وقسوة وفساد وسوء في أحوال الناس في مناطق سيطرتهم, كما تفاخر بمواقف قومه المشرفة التي تفرضها العادات والأعراف القبلية, وذم ما يراه منافياً لتك القيم والأعراف, فطار صيته وسار شعره على ألسنة الناس وتغلغل في عقولهم, وبفضل موهبته الشعرية أصبحت له مكانة اجتماعية رفيعة وجعلته أشعاره على ارتباط بمجتمعه وقومه, وكان الناس ينظرون إليه كمصلح اجتماعي يدعو إلى سلوك مثالي بمقاييس عصره وتقاليد مجتمعه الذي لا تحكمه سلطة مركزية, بل تنظم حياته قوانين العرف, فكان يقدم من خلال أشعاره المواعظ والنصائح, ولذلك نجد في شعره توظيفاً موفقاً للموروث الديني والمأثور الشعبي وهو ما أعطى لشعره قوة تأثير في نفوس المتلقين. وكان الشاعر، كما يُروى, حسن الإلقاء لقصائده, يملك قوة سحرية في إلقائها وبراعة تجتذب إليه عشاق شعره, وكان ينشد قصائده في مجالسه على مستمعيه فيردوون أبياتها معه, وهذا ما سهَّل انتشارها وتناقلها على السنة الناس حتى اليوم.

تشرَّب شاعرنا حلاوة الإيمان منذ نعومة أظافره, فقد تربى تربية دينية ونشأ متأثراً بالقرآن الكريم, وأثر التدين واضح في شعره, فهو بنزعته الصوفية, ومن خلال شعره, يبحث عن المعنى المطلق للقيم والأفكار التي اقتنصها في عزلته, فكان يغزل أبيات قصائده الشعرية العذبة والأثيرة، متكئاً على موروثه الاجتماعي وثقافته الدينية التي اكتسبها في حياته وتراكمت لديه بمرور الزمن, ونجد في جميع أشعاره نفثات وجدانية مطرزة بروائع من الحكم والأمثال, فضلاً عن مسوح الزهد والتأمل والمناجاة التي تعكس حالة الشاعر الضرير نفسه وانفعالاته وتحسره على فقده نعمة البصر, كما في أمنيته أن يكون ضمن قافلة الحجيج إلى بيت الله لو أنه لم يفقد نظره الذي كان، كما في قوله:

سالم علي قال: واحُجّاج لا مكه

ياليت سالم معاكم والنّظر ذي كان

أو في أمنيته أن يعود نظره, ومناجاته للرسول الكريم بأنه فيما إذا تحقق له ذلك سيعمل كل عام حفلة ذكر (مالود أو مَوْلِدْ) كما في قوله:

سالم علي قال: ياليت النّظر يرجع

وآقول لك وآمحمّد بالسنّه مالود

أو قوله يصف حالته وهو حبيس البيت:

مسكين من مثلي حُبِس وَتقيَّد

بقيد ما يِسْكُوا له الحدَّاده

لكن حمدته من سِمع يتحمَّد

حمداً على ما الله قَسَمْ ورَادَه

ولا يخلو شعره من منظومات قصصية دينية في الأساس, كقصة سيدنا يوسف عليه السلام التي نظمها وفق تسلسل الأحرف الأبجدية.

كان شاعرنا غزير الانتاج, لم يصل إلينا كل شعره, فرغم أن أشعاره دونت في حياته بمجلد مخطوط كبير الحجم، إلاَّ أن معظمها لا يزال في حكم المفقود, لأن مصير المخطوطة لا زال مجهولاً, بسبب كثرة تداولها وتناقلها بين الناس إلى ما قبل عقدين من الزمن, ولأنها النسخة الوحيدة فربما احتفظ بها شخص ما ليستأثر بها لنفسه بدافع إعجابه الشديد وحبه لقصائد سالم علي, وقد تكشف الأيام, فجأة, عن هذه المخطوطة فنجد فيها الكثير من القصائد التي لم يشملها هذا الديوان. وهكذا فإن ما حواه هذا الديوان ليس سوى نزر يسير وغيض من فيض أشعار سالم علي الكثيرة, وقد اعتمدنا على ما احتفظت به ذاكرة المسنين والمعجبين بأشعاره ممن يتداولونها شفاهة ويتناقلونها من جيل لجيل. ويكفيه أنه خلف الذكر والأثر وحقق هذا المجد الشعري الذي يخلده أبد الدهر.

وفي الختام, وعرفاناً بالجميل أزجي جزيل شكري وعظيم امتناني للأخ والصديق العزيز محمد يحيى المحبوش الذي كان خير عون لي, ليس فقط في جمع وتصحيح أشعار جده سالم علي وانتشالها من براثن الإهمال أو النسيان, وإنمَّا في حماسته ودعمه لنشرها وتقديمها بين دفتي هذا الديوان, الصغير الحجم, الكبير الفائدة, لتصبح في متناول الجميع.

[1]- نومسه: شرَّفه.

[2]- قيفان: من القافية، والمقصود أبيات الشعر. تي: مثل.


وفيما يلي نماذج من أقواله الشهيرة:


* سالم علي قال: مَحْسَنْ لوَّله

زهره وذي ما بيقطفها ندم[1]

* سالم علي قال: بالشبِّه حُبِسْ فضَّه

واليوم سالم مُسَلَّك من جَبِيْر الناس[2]

* سالم علي قال: مانا لا سَقى بَختي

لا جيت باخُذ سَبُوله قاموا الحُرَّاس

* سالم علي قال: كُلاً صاحبه حقّه

ذي ما معه حَقّ ما حد صاحبه واناس

* سالم علي قال: واسُود الكبد حِنّي

من داخل الجوف لمّا يسمعوش الناس

* سالم علي قال: يانفس اصبُري غَصْبَا

لا ما صبرتي عليَّا عذَّبُوش الناس

* سالم علي قال: وا شوقي لبعض الناس

ذي كلمته قرش لا زايد ولا نقّاص

* سالم علي قال: بنقُش شوكتي بِيْدِي

وان حد نقشها وصل عاللَّحمه الحَيِّهْ[3]

* سالم علي قال: مَانَا كُرْهَتي لَخْجَفْ

ذي لا دخل سوق ما يدري كم أسعاره[4]

* سالم علي قال: مانا ويش بلِّيني

منين لي للقلوب القاسيه مفتاح[5]

* سالم علي قال: وا رجلين شُليني

أرضي بعيده وَنَا من صاحبي مَدْحُون[6]

* سالم علي قال: واحُجّاج لا مكه

يا ليت سالم معاكم والنّظر ذي كان

* سالم علي قال: ما شَيْبه رَجَعْ جَاهِل

ولا مُزَوَّجْ سلي ولا رَجَعْ ذي كان[7]

* سالم علي قال: حنِّي يا الكبد حنِّي

يا قلب بالله كِنّ الهَمْ والأحزان

* سالم علي قال: يا ليت النّظر يرجع

وآقُول لك وآمُحَمَّد بالسَّنَهْ مَالُود[8]

* سالم علي قال: ما اتعبني سَلَبْ جَنْبي

اتعبني الحَيْد ذي ما به تليَّانه[9]

* سالم علي قال: واشامخ ثمر لَنْصَبْ

ذي منّك البحر بيَّام الجَلا يلتاح[10]

* سالم علي قال: يا الحَلْبُوب لا رَدَّك

يوم الحَنَشْ خَذْ عيونك وانته أرْجِيْله[11]

* سالم علي قال: واذي بالطريق اجْزَعْ

لا با سَلامك ولا با قُول لك حَيَّا

*سالم علي قال: وا بُنّه بذي ناخب

فرَّحْشِني بالورق والبُنّ ما جَعْرَهْ[12]

*سالم علي قال: عانا بسمع الرعده

حنين حنَّيت لمَّا سير عالصَّعْدَهْ[13]

[1]- مَحْسَن: ما أحسن. لوَّله: الأولى.

[2]- بالشبِّه: في وقت الشباب. حُبِسْ: صنف من الحجول الرجالية. مُسلّك: ليس بأحسن حال. من جَبِيْر: من ضمن.

[3]- بنقش شوكتي: استخرج الشوكة التي أصابتني في رجلي.

[4]- مانا كُرهتي: أشد ما أكرهه. لخجف: الأخجف وهو الغبي.

[5]- ويش بلّيني: ماذا أبلاني في هذا الأمر.

[6]- مدحون: بعيد عن الشيء.

[7]- جاهل: صغير.

[8]- مالود: وتنطق مولود, أي حفلة ذكر دينية تتخلها الأناشيد الدينية.

[9]- سَلَبْ جنبي: سلاحي الشخصي الذي أحمله على كتفي"جنبي". الحيد: الجبل.

[10]- شامخ ثمر: أعلى قمة جبل في يافع. بيَّام: بأيام. يلتاح: يُرى بالعين المجردة.

[11]- الحلبوب: دَخّال الأُذن, حيوان من كثيرات الأرجل, قصير الأرجل أسود اللون غالباً. يلتف بشكل حلزوني أثناء الراحة. يعيش خاصة في المواضع المريضة من قشر الشجر. الحنش: الثعبان.

[12]- ذي ناخب: واد شهير بزراعة البن في يافع. فرَّحشني: فرَّحتيني, وقد حلت الشين محل التاء في مخاطبة الأنثى. جعرة: حبة بُن واحدة.

[13]- الصعده: العصا.