جعار مدينة المستقبل
لم أستقر في جعار كما كان المظنون بل تعديتها إلى باتيس فاللكيدة فقطعت حوالي 75 ميلاً ، أما المسافة بين الشيخ عثمان وجعار نفسها فلا تبعد 55 ميلاً وأعجبني في جعار أثر العدنيين العميق في شتى مرافق البلاد .
أما جعار فقرية قيل أنها لم تكن موجودة قبل سنوات بل كانت بقعة قليلة السكان وكان ( الضبع ) ينتشر فيها بكثرة وكلمة ( جعار ) بلغة الأهالي معناها ( الضبع ) فأصبح إسم الحيوان على إسم البقعة التي يكثر فيها .
وتتألف جعار من 500 كوخ ( عشة ) وفيها جامع بناه جماعة من المحسنين منهم الموظف العدني بإدارة لجنة أبين الزراعية خالد عثمان عبد الله ويسمى المسجد هذا بإسم ( مسجد خالد ) وفيها عدة قهوات ومطاعم وفرن يملكه المواطن عبد القادر علي بن علي وهو من الشيخ عثمان وفي جعار ضريح مشهور للولي ( أبو شملة ) أما عاقل البلاد فهو الشيخ محمد علي منصب الوالي وعلى مقربة من دار حرس الحكومة ضريح الولي عبد الله بن علي .
ويستخرج الأهالي أحجاراً خاصة من ( الحبيل ) حصن السلطان عيدروس لصنع الكلس ( النورة ) بعد تحريقها ومن عدة المحاريق الموجودة يملك الوجيه محمد حسن مظفر عدداً إضافة إلى عدة أراضي زراعية وضياع ودكاكين وقد بنى له داراً في ضاحية القرية والمسموع أن الحكومة الإنجليزية أشرفت على جعار قبل ست سنوات وفي البلاد عيادة صغيرة تحت إشراف الفاضل حسن محسن اليافعي معدل روادها 32 شخصاً حسب السجل اليومي .
وطبيعة جعار حارة في النهار معتدلة في الليل تهب الرياح فيها في فترات متقطعة وأما حاصلاتها الزراعية فالحبوب كالغربة والهند وبيني وصيفي وهبا وبكر والدخن ثم الفواكه كالحبحب والبطيخ والخضروات كالبطاطس والطماطة والبسباس والبامية والباذنجان والرجنة وغيرها أما حيواناتها فالبقر والأغنام والجمال والحمير والكلاب والقطط .
وما دمنا نستعرض بلادنا فأرى من واجبي أن أعرف القارئ الكريم بقرى هذه الناحية ومراكزها .
باخرابا : قرية كبيرة يتجاوز عدد أكواخها 45 كوخ عاقلها الشيخ راجح تقع شمال باتيس أو شرق صبيبا ، سكانها من المشرق وآل العزاني وبعض الحجور ومعيشتهم تعتمد على الزراعة والفلاحة .
الميوح : قرية على بعد ميل من حصن الحلمة فيها عشرون كوخاً .
الخاملة : مدينة مهجورة أغلب دورها أطلال وهي مبنية من ( اللبن ) وأقل من ثلثها أكواخ فيها مسجد السقاف ومدرسة مهجورة بناها القاضي السيد علي بو بكر قاضي جيبوتي الحالي وفيها ولي إسمه عبد الله الحداد قرب مقام الولي السيد محمد علوي السقاف ويمثل السيد عبيد عبد القادر المنصب في البلاد وفيها
( عُبر ) يعرف باسم ( خراب العَمود )وفيها بئران صالحان للشرب ويزيد عدد سكانها على 200 نسمة ، وأما سكانها الأصليون فمن السادة آل السقاف وآل الحداد وقد هاجر أغلبهم إلى الحبشة وجيبوتي ويافع بني قاصد وبلاد الفضلي ولحج والوهط وعدن والخاملة منها تعتبر أقدم مدينة في المنطقة الفضلية عمرها 500 سنة وهي أقدم من جعار وهي الثانية بعد خنفر في القدم وقد هاجر الأستاذان السيد علي السقاف والسيد عمر الهدار وأصبح خمسون طفلاً معطلين عن الدراسة .
ولا يزال المهاجرون في مراسلات ومكاتبات مع السلطات الفضلية بشأن تعمير وإصلاح المدينة .
صبيبا : تقع صبيبا في الجنوب الشرقي من مدينة باتيس يتجاوز عدد أكواخها عشرين كوخاً تسكنها قبائل يافعية تسمى ( رها ) وعاقلها رهاوي ويسمى ( أبو الليل ) يملك بستاناً كبيراً .
حلمة : حصن على رأس تل جنوب شرق باتيس وفيها مركز حرس الحكومة ويتمركز الآن فيه النائب عبد ناصر الحسني مع ستة جنود وقد كان هذا الحصن مصدر فتن قبلية بين الفضلي واليافعي وحسمت الحكومة هذا النزاع وهواء الحصن جميل صحي ولاحظت حول الحصن أراضي صالحة للزراعة ولكنها غير مزروعة .
النبوة : عبارة عن منابع مياه تخرج من أصل رابية صغيرة يابسة ورملها أسود خصب وتقع بين باخرابا والليكدة وهي عبارة عن كثيب من الرمال السوداء يخرج منها ماء عذب صالح للشرب وحول ( النبوة ) شجر كثيف يسمى ( الخسع ) عندما يكون أخضر ( وضبع ) عندما ييبس وتتفرع من النبوة عدة جداول تسقي ( المصانع ) ، ( باخراب ) ، ( صبيبا ) ، ( باتيس ) ويملك الشيخ راجح هذه النبوة .
الليكدة : قرية صغيرة يتراوح عدد أكواخها بين 15 ، 20 كوخاً وعاقلها الشيخ محمد حسين الرهاوي اليافعي .
المصانع : قرية من 40 كوخاً وعاقلها السيد حسين وفيها مسجد صغير وولى يسمى السيد حسين بو بكر الفقيه .
باتيس : قرية صغيرة لا يتجاوز عدد أكواخها 30 وتسكنها قبائل من الحواشب ( وعقال ) أهل عطية أمثال كرف بن قاسم وهؤلاء قوم رحل تقع جنوب غرب الحصن وهي من أصل يافع الساحل وفيها الولي عبد الصمد وعاقلها السيد حسن وفيها حصن يقع على أرض مستوية رملية تقوم على حراسته ثلاثة من حرس الحكومة ليلاً والحرس القبلي نهاراً وفي باتيس عدة أعبار هي أخاديد تصل إليها مياه السيل وهذه توزع المياه على المناطق المجاورة كالمصانع وجعار وصبيبا وعرشان ونازعة الفضلي والسيلة ويأتي السيل بعد كل ثلاثة أشهر تقريباً وتعتبر ( اللجمة ) آخر قرية في حدود يافع بني قاصد وهي من ( أعمال ) اليافعي ، وقد طلبت الحكومة البريطانية إنشاء حصن في منطقة ( رها ) لتتمكن من مواصلة بناء السدود والجسور كالتي في أعبار باتيس ومازالت المفاوضات جارية والشائع أن المفاوضات تدور حول تخصيص 100 ربية كراتب شهري للعامل وتعيين أربعة موظفين من 45 ربيةشهرياً للواحد وأن يكون رئيس الحصن من الرهاويين ولا يفرض على الأهالي مكوس أو ضرائب كما أن يكونوا ( جَبَر ) .
وقابلت بأبين المواطن العدني أحمد علي أحمد الزوقري أمين مستودع في لجنة أبين الزراعية وهو سعيد بهواء المنطقة ويحب عهد الأمطار بالذات . أما اللجنة الزراعية فقد تأسست سنة 1942 م وقد علمت أن الحكومة تقرض الفقراء من أهالي البلاد ليقوموا بزراعتهم ويدفع المقترض محصوله لتخليص الدين .
ويسر العدني إذ يرى أخوانه العدنيين في محبة وتفاهم فقد رأيت مبلغ الود المقيم بين الزوقري وخالد عثمان ومحمد قاسم عبد الله . ويزور العدنيين أحياناً الضابط السياسي على عبد الله مدي .
وحدثني المواطن العدني خالد عثمان أمين صندوق ومساعد رئيس كتبة لجنة أبين الزراعية في جعار وله إلى الآن أربع سنوات وهو معجب بعروبة البلاد وكرم أهلها وأكد نجاح اللجنة الزراعية في ممولة الأهالي والرعايا والمعيشة سهلة بسيطة وقد جعل محله ملجأ للعدنيين كما سماه المواطن العدني محمد هزاع العراسي .
وقد وصلت إلى قرية جعار في 18/5/48 ست عائلات من سادات الوهط وبعض بيوت لحج المشهورة أمثال آل سفيان والعزيبة والسلامي وغيرهم من الشقعة وضواحي لحج أما العائلات التي وصلت فهي :
عائلة السيد عيدروس بن زين .
عائلة السيد محمد بن زين .
عائلة السيد عبد الله بن جعفر .
عائلة السيد عبد الله بن محمد .
عائلة السيد حسن بن جعفر .
عائلة السيد عيدروس بن محمد زين .
ومن الشخصيات التي هاجرت عبد الحميد بن غالب بن علي من آل العزيبة وقد جاء الفوج الأول قبل شهر بصحبة الشيخ درويش بن أحمد عمر العزيبي مع 300 مهاجر وقد إستطونوا ( الرميلة ) وأقطعهم السلطان عيدروس أراضي بالإشتراكمعهم ومن أقرباء درويش أولاد عمه علي بن ناصر العزيبي وعلي بن أحمد العزيبي ومحسن بن علي العزيبي ولا يعرف بالتحديد عدد المهاجرين .
أما أسباب الهجرة فعديدة منها نظام ( الملكية للدولة ) الجديد الذي حاولت حكومة لحج أن تفرضه علىالأهالي وجدب البلاد وفقر الأهالي في أوطانهم . ولعلكم تستغربون إذا صارحتكم أن أحد المهاجرين المعروفين قد صرح بأن الدستور اللحجي ( المزعوم ) نكبة نكباء دهماء وأنه لم يأت بالخير المرجو ولكنه وسيلة لتسن قوانين جائرة وضرائب فادحة وقد أعلن بأنه لا يريد ذكر إسمه لأن الحكومة اللحجية تسير على النظام القديم الذي يعاقب قريب المسيء إذا لم يوجد المسيء والنقد في لحج جريمة والدستور خيال
لغاية معروفة .
وأحب أن أضيف أنني لاحظت أن هذه الهجرة قد أساءت إلى السمعة التي حصلت عليها لحج عندما تنازل سمو السلطان فضل من الحكم الفرد وذلك لأن الوهطيين سادة ويتمتعون بإحترام الملايين وكلمتهم مسموعة وبحكم نسبهم العالي نجد فيهم عزة قعساء ورغبة في الحرية والإنصراف عن العسف والجور ولعلكم تلاحظون أن النقد والنقاش الذي يوجه لحكومة لحج لا يأتي من غير وهطي وصحيفتكم تزخر بموضوعاتهم وقد أكد هؤلاء المهاجرين تعلقهم بفتاة الجزيرة وأملهم في نصرتهم والوهطي بحكم نسبه وجاهه وماله قد خرج إلى العالم وعرف الكثير من مظاهر الحضارة في الدنيا وهم يتذمرون ويتململون من الحكم في لحج وقد كانت أبين تطمح لن تكون كلحج في الحياة الدستورية ولكن الرأي في أبين اليوم منكمش متخوف من قيام مثل هذه الحالة بإسم الدستور وقد أشاع البعض في الناس أن الدستور نتيجته هذا ( العسف ) فحاولت أن أشرح لهم ولكنهم إتخذوا هذه الهجرة من الوهط ولحج دليلاً لا يقبل نقضاً .
وقد إستقبلهم أهالي جعار بحسن وفادة وساعدوهم للعيش في نعيم ( من غير دستور ) كما ينكتون ولا تزال الهجرة مفتوحة !!
مراجع :
فتاة الجزيرة
السنة الثالثة 1948
إعادة النشر :- د/ يحي قاسم سهل
مجلة يافع
العدد3 السنة الاولى 29017
/موسوعة جعار الثقافية الاجتماعية الزراعية
هامش:
/الصورة المرفقة صورة قديمة لمدينة جعار قام موقع أبين تايم بإعادة تحريرها باستخدام الذكاء الاصطناعي