آخر تحديث :الجمعة-18 أبريل 2025-01:30م
ثقافة وفن


حكاية أغنية «ست الحبايب».. وسبب الأزمة بين فايزة وعبدالوهاب

حكاية أغنية «ست الحبايب».. وسبب الأزمة بين فايزة وعبدالوهاب
الإثنين - 28 أكتوبر 2024 - 01:54 ص بتوقيت عدن
- أبين تايم/ ثقافة وفن

خرجت كلمات "ست الحبايب" صدفة من حسين السيّد، ولحّنها محمد عبد الوهاب في ربع ساعة، وسُجّلت في الإذاعة في اليوم التالي بصوت فايزة أحمد، ليكتب لها القدر أن تظلّ أيقونة عيد الأم..


هناك أعمال تظل رغم مرور السنوات، علامات ناصعة البياض في تاريخ أصحابها، وبالتأكيد في مقدّمة هذه الأعمال أغنية "ست الحبايب"للمطربة فايزة أحمد، من كلمات الشاعر حسين السيد، وألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وأُذيعت لأول مرة في الإذاعة المصرية يوم 21 مارس من العام 1958، بالتزامن مع قرار تخصيص هذا اليوم ليكون عيدًا للأم، بعد أن طرح الفكرة كل من الكاتبين الصحفيّين مصطفى وعلي أمين. "ست الحبايب" هي ليست مجرّد أغنية مميزة عن الأم وتضحياتها، فهي بمثابة النشيد الوطني لعيدها، وكلماتها محفوظة ومتوارثة نظرًا لصدق كلماتها وتفرد معانيها وبساطة كلماتها.


وللأغنية حتى خرجت للنور، وصارت أشهر أغاني عيد الأم، قصة مشوّقة، ومثيرة لا يعلمها الكثيرون، بدأت أحداثها في مساء يوم 20 مارس من العام 1958، حيث ذهب الشاعر حسين السيد بعد عناء يوم شاق وطويل من العمل، لزيارة والدته، وكانت تسكن بالطابق السادس، وعقب صعوده خمسة طوابق متجهًا لشقتها في الطابق الأخير، اكتشف أنه نسى شراء هدية لها كي يُقدّمها لها في عيدها الوليد حديثًا، ونظرًا لشعوره بالإرهاق فلم يبادر بالنزول مجددًا لشراء هدية، لذا هداه تفكيره لحيلة يُرضي بها والدته التي تنتظره.


أخرج الشاعر الكبير ورقة وقلمًا من جيبه، وجلس على السلم أمام شقة والدته يكتب لها كلمات يعبر فيها عن حبه وتقديره لتضحياتها، ويقدّمها لها فور أن تفتح له باب الشقة، وانطلقت الكلمات هادرة من قلم حسين السيد تخرج بعفوية:


ست الحبايب يا حبيبة.. يا أغلى من روحي ودمي


يا حنينة وكلك طيبة.. يا رب يخليكي يا أمي


زمان سهرتي وتعبتي.. وشلتي من عمري ليالي


ولسه برضه دلوقتي.. بتحملي الهم بدالي


أنام وتسهري.. وتباتي تفكري


وتصحي من الأدان.. وتيجي تشقري


تعيشي ليّا يا حبيبتي يا أمي.. ويدوم ليّا رضاكي


أنا روحي من روحك أنتِ.. وعايشة من سر دعاكي


بتحسي بفرحتي.. قبل الهنا بسنة


وتحسي بشكوتي.. من قبل ما أحس أنا


لو عشت طول عمري.. أوفي جمايلك الغالية عليّ


أجيب منين عمر يكفي.. وألاقي فين أغلى هدية


نور عيني ومهجتي.. وحياتي ودنيتي


لو ترضي تقبليهم.. دول هما هديتي


وتعكس هذه الكلمات علاقة شديدة الخصوصية بين حسين السيد ووالدته السيدة فخرية بهاء الدين، وتروي إبنته حامدة السيد عن ذلك قائلةً: "كانت علاقة والدي بجدّتي شديدة التميّز والخصوصية، وكانت تسكن معنا في نفس العمارة، حيث أصرّ والدي على استئجار شقة مجاورة لنا، لتُقيم فيها، وأذكر أنه دائمًا في يوم إجازتي من المدرسة، كان يرسلني لأجلس معها حتى ينتهي من عمله، ودائمًا ما كان يعطيني علبة فيها أربع سجائر، لأنها كانت مدخنة، وورقة تحمل كلمة (صباح الفل على ست الحبايب)، وكانت هذه الورقة أعظم هدية لها من والدي".


وما إن انتهى الشاعر الكبير من الكلمات، وطرق باب الشقة، وقدم الكلمات لوالدته التي قرأتها وبكت فرحة من تأثرها بها، فقد مست قلبها وعبّرت عن مشاعر ابن بار ومحب لها، وسألت ابنها هل هذه الكلمات لها أم أنها أغنية جديدة من تأليفه؟ فأخبرها أنها لها وحدها وليست أغنية، وقال إنها لو رغبت في أن تكون أغنية فسيكون ذلك خلال ساعات وبصوت أجمل المطربات، فوافقت.


على الفور، اتصل حسين السيد، بالموسيقار محمد عبد الوهاب وروى له القصة، وقرأ عليه الكلمات واكتشف بعد الانتهاء من قراءتها أن عبد الوهاب سجلها في ورقة عنده، ووعده الأخير بتلحينها ليكتشف الشاعر الكبير في اليوم التالي هو ووالدته بالأغنية تُذاع في الإذاعة المصرية وبصوت فايزة أحمد.


اندهش حسين السيد واتصل بعبد الوهاب مستفسرًا عما حدث، فقد ترك له الأغنية منتصف الليل واكتشف في الصباح بثها في الإذاعة، فقال له عبد الوهاب إنه أعجب بالكلمات ولحنها في 15 دقيقة، وغناها أولًا على العود منفردًا، واتصل بفايزة أحمد ودعاها على الفور للتدريب على اللحن.


حفظت المطربة الكبيرة الكلمات بسهولة وأدت البروفات بسلاسة ويسر حتى مطلع الفجر، ومع إشراقة صباح يوم 21 مارس، وهو عيد الأم، كانت فايزة أحمد في الإذاعة المصرية تسجل الأغنية لتُبث في العاشرة مساء نفس اليوم، وتنطلق عبر الأثير في سماء العالم العربي لتحفر اسمها بحروف من نور في أذهان وذاكرة الجماهير.


وقالت السيدة فريال عمر، ابنة الفنانة الراحلة فايزة أحمد، في ظهورها الإعلامي الوحيد مع برنامج "صباح الخير يا مصر"، مارس 2009، إن أداء والدتها الرائع لأغنية "ست الحبايب" وراءه إحساس بالامتنان لأمها التي ربّتها ووجهتها للفن بعدما شعرت بموهبتها الفنية منذ أن كانت طفلة في الثالثة من عمرها وبعد انفصالها عن والدها.


ومن المفارقات، أن "ست الحبايب" أثارت خلافًا بين فايزة أحمد ومحمد عبد الوهاب، ووفقًا لمجلة "الكواكب" فإن المطربة كانت تنوي غناء "ست الحبايب" بفيلم "المليونير الفقير" (1959) للمخرج حسن الصيفي، ولكن عبد الوهاب كلف محاميه برفع دعوى قضائية ضدها لمنعها لأن اتفاقهما لا ينص على استغلالها في أحد الأعمال، وبعد أن استسلمت "فايزة" لكلام عبد الوهاب قاما بالاتفاق على أن تُقدم الأغنية على شاشة التليفزيون حديث الدخول إلى مصر آنذاك، بطريقة الأسكتش الغنائي، بمشاركة النجوم: عزيزة حلمي التي قامت بدور الأم لتمتعها بوجه حنون هادىء مليء بالطيبة والفرح في آن واحد، وسط أبنائها الفنانين مثل زهرة العلا ومحمد عوض، وتعتبر هذه الأغنية من بين أوائل الأعمال التي صورت على طريقة "الفيديو كليب" في الوطن العربي.


وحصلت المطربة فايزة أحمد بعد "ست الحبايب" على الجنسية المصرية عام 1965، حيث إنها ولدت في مدينة صيدا اللبنانية لأب سوري وأم لبنانية، وتظل الأغنية علامة فارقة في تاريخ صناعها.