ليلة 27 أغسطس 1967م كان عمري لايزيد عن ثلاث سنوات ولكني عشت أجواء هذه الليلة فيما بعد وما زلت أعيشها من خلال أغنية الفنان الكبير محمد محسن عطروش (ياشباب ياشباب ) وهي تتردّد في مسامعي عبر أصوات مكبرات الصوت من المركز الثقافي الكائن في وسط مدينة جعار والتي كانت المسيرات الشعبية في كل مناسبة وطنية واحيانا دون مناسبة تنتهي إليه ... كانت أجواء الحماسة الثورية في سبعينيات القرن الماضي تلهب مشاعرنا ونحن أطفال فما بالك بالكبار الذين عاشوا اللحظة دقيقة دقيقة وساعة ساعة ويوما يوما ...
وقد حدث في تلك الليلة أن اتّجهت مجموعة لا يزيد عددها عن 12 مناضلا من مناضلي الجبهة القومية بقيادة قائد فذ إلى مقر حكم السلطنة الفضلية الذي كان يقع في أطراف مدينة زنجبار من الناحية الجنوبية ... كان الظلام دامسا والتوتر على أشدّة عند المجموعة خوفا من أي طارئ قد يطرأ أثناء تنفيذهم خطة إسقاط المدينة بيد الجبهة القومية ..وبينما كانوا على مشارف قصر السلطنة إذ برز لهم فجأة شخص كان قادما إليهم في الظلام من جهة القصر فانبطحت المجموعة كلّها أرضا آخذة وضعا قتاليا إلّا شخصا واحدا بقي منتصبا رابط الجأش أمام هذا القادم أوما كانت المجموعة الفدائية تعتقد في تلك اللحظة أنّها قوة قادمة إليهم من القصر للتصدّي لهم ... كان ذلك الشخص الذي بقي واقفا رابط الجأش هو قائد المجموعة وقائد المنطقة كلّها المناضل الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) ..وقد بادر سالمين ذلك الشخص القادم إليهم من القصر بالقول : قف مكانك ... باسم الجبهة القومية نأمرك بتسليم القصر لقيادة ثورة 14 أكتوبر .... فأخبر الرجل سالمين بأنّه أحد الحراس ولم يتبق أحد سواه في القصر وبإمكانهم الدخول وتسلّم القصر ..
وفي صباح اليوم التالي كانت مدينة زنجبار عاصمة السلطنة الفضلية ثم مدينة جعار عاصمة السلطنة اليافعية في يد الجبهة القومية ....
وقد أقيم في هذا اليوم احتفال كبير في الحزام الأخضر في مدينة زنجبار وبالتحديد في (مدرسة الشهيد عباس حاليا) وغنّى فيه العطروش لأوّل مرّة أعنيته الوطنية الرائعة (ياشباب ياشباب) التي كلّما سمعتها وفي أي مكان تثير في نفسي ذكريات طفولتي السبعينياتية .. .وتستفز حماسي الطفولي الكامن في الذاكرة منذ ذلك الوقت حتى يفيض الدمع من عيني :
ياشباب ياشباب
ياحشود فرحانة تفرح في أربعة أشهر
ياشباب ياشباب
أكتوبر جانا بعد ستة وعشرين سبتمبر
ياشباب ياشباب
نوفمبر جانا يحمل أثــمـار أكتوبر
ياشباب ياشباب
ديسمبر حانا بالاستقلال قد بشّر
الله ... الله أكبر
هاتوا البنادير هاتوها ... خلّوها ترفرف خلّوها
للفرحة بكل دار
هاتوا المسامير هاتوها .. دقّوها بشدّة دقّوها
في قلب الاستعمار
هاتوا المزاهير هاتوها ... خلّونا نغنّي هاتوها
ذي غنوة لنتصار
الله أكبر ..الله
الله أكبر ..الله
الله الله الله ... الله أكبر
........... ومن عاش تلك الأيام بحلاوتها ومرارتها لا أشك لحظة أنّه يشعر بنفس ما أشعر به كلّما سمع هذه الأغنية واستحضر أحداثها في قلبه أقول قلبه وليس عقله .
/كتب محمد ناصر العولقي
12مايو 2016م